دليل شامل لمرضى السكري: علاجات، أدوية، ونصائح للتحكم بمستوى السكر
تُعد إدارة مرض السكري تحديًا صحيًا مستمرًا يتطلب وعيًا دقيقًا ومتابعة مستمرة. فبعد تشخيص الحالة، يصبح السؤال المحوري: كيف يمكن السيطرة على مستويات السكر في الدم وتجنب المضاعفات المحتملة؟ هنا يظهر دور طرق علاج مرض السكري كحل متكامل يجمع بين تغييرات نمط الحياة، الأدوية، المراقبة اليومية، والحلول التقنية الحديثة. إن فهم هذه خيارات علاج مرض السكري والتقيد بها لا يساعد فقط في التحكم بالمرض، بل يمنح المريض فرصة للعيش بحياة طبيعية أكثر صحة ونشاطًا.
تشخيص مرض السكري
يُعد تشخيص مرض السكري خطوة أساسية في إدارة الحالة الصحية والوقاية من المضاعفات. ولأن المرض غالبًا يتطور بصمت، فقد يحتاج المريض إلى مجموعة من الفحوص الطبية التي تكشف عن مستوى السكر في الدم بدقة. لكن، ما هي هذه الاختبارات؟ وكيف يتم تفسير نتائجها؟
1. اختبار الهيموغلوبين السكري (HbA1c)
يُطلق عليه أحيانًا اختبار التراكمي، لأنه يعكس معدل مستوى السكر في الدم خلال آخر شهرين إلى ثلاثة أشهر.
-
إذا كانت النتيجة أقل من 5.7%، فهذا مؤشر على أن مستويات السكر ضمن النطاق الصحي.
-
أما إذا تراوحت بين 5.7% و6.4%، فيُعتبر الشخص في مرحلة مقدمات السكري، أي أنه معرّض أكثر من غيره للإصابة بالمرض لاحقًا.
-
بينما تشير نسبة 6.5% أو أكثر (في اختبارين منفصلين) إلى وجود داء السكري بالفعل.
2. اختبار سكر الدم العشوائي
يُجرى في أي وقت من اليوم، بغض النظر عن آخر وجبة تناولها الشخص.
-
إذا سجلت النتيجة 200 ملغم/دل (11.1 مليمول/لتر) أو أكثر، ورافقها ظهور أعراض مثل العطش الشديد أو التبول المتكرر، فإن ذلك يُعد دليلًا قويًا على الإصابة بالسكري.
3. اختبار سكر الدم الصيامي
كما يوحي اسمه، يُطلب من المريض الصيام طوال الليل قبل إجراء الفحص.
-
قراءة أقل من 100 ملغم/دل (5.6 مليمول/لتر) تعني أن الأمور طبيعية.
-
أما النتائج بين 100 و125 ملغم/دل (5.6–6.9 مليمول/لتر) فتمثل مرحلة ما قبل السكري.
-
بينما تؤكد نتيجة 126 ملغم/دل (7 مليمول/لتر) أو أكثر في اختبارين متتالين وجود داء السكري.
4. اختبار تحمل الغلوكوز الفموي (OGTT)
يُستخدم بشكل خاص عند الشك في وجود سكري الحمل أو بعض الحالات مثل التليف الكيسي.
-
في هذا الفحص، يشرب المريض محلولًا سكريًا، ثم يتم قياس مستوى الغلوكوز على مدى ساعتين.
-
النتيجة أقل من 140 ملغم/دل (7.8 مليمول/لتر) طبيعية.
-
بينما يشير مستوى بين 140 و199 ملغم/دل (7.8–11 مليمول/لتر) إلى مقدمات السكري.
-
وإذا تجاوزت النتيجة 200 ملغم/دل (11.1 مليمول/لتر) أو أكثر في اختبارين، فهذا يعني الإصابة بالسكري.
الفحوصات الخاصة بالحالات الاستثنائية
السكري الحملي
خلال الحمل، وتحديدًا بين الأسبوع 24 و28، يُجرى اختبار تحدي الغلوكوز.
-
إذا تجاوزت النتيجة 140 ملغم/دل بعد ساعة من شرب المحلول، فقد تكون هناك مؤشرات على سكري الحمل.
-
في الغالب، يُعاد الفحص بطريقة أكثر تفصيلًا مع الصيام وقياسات متتابعة على مدى 3 ساعات للتأكد من التشخيص.
فحوص إضافية
في بعض الحالات، قد يقترح الطبيب اختبارات أخرى لتحديد نوع السكري، سواء كان النوع الأول أو النوع الثاني، مما يساعد في اختيار العلاج الأنسب. ويُستخدم اختبار HbA1c أيضًا ضمن هذه التقييمات.
الفحص المبكر للكشف عن السكري ومقدماته
يُعتبر الفحص المبكر أداة أساسية للحد من مضاعفات مرض السكري، إذ يُمكّن الأطباء من التدخل في الوقت المناسب قبل أن تتفاقم الحالة. ولكن، من هم الأشخاص الذين يُنصح لهم بإجراء هذه الفحوصات؟
الفئات المستهدفة بالفحص الدوري
-
جميع البالغين ابتداءً من عمر 35 عامًا فما فوق.
-
الأفراد الأصغر سنًا ممن يعانون من زيادة في الوزن أو السمنة، خاصة إذا ترافقت حالتهم مع عامل خطورة آخر مثل ارتفاع ضغط الدم أو قلة النشاط البدني.
-
النساء اللواتي تعرضن للإصابة بسكري الحمل في فترة سابقة.
-
الأشخاص الذين ثبت لديهم سابقًا الإصابة بمقدمات السكري.
-
الأطفال المصابون بالسمنة والذين لديهم تاريخ عائلي قوي مع المرض أو عوامل خطورة أخرى.
الكشف عن مقدمات السكري
توصي الإرشادات بإجراء فحوصات خاصة للأشخاص الأكثر عرضة للإصابة، مثل:
-
من لديهم تاريخ عائلي للإصابة.
-
الأفراد الذين يعانون من السمنة المفرطة.
-
من لديهم ما يُعرف بـ المتلازمة الأيضية، والتي تشمل ارتفاع ضغط الدم وزيادة الدهون الثلاثية.
-
النساء اللاتي سبق لهن الإصابة بسكري الحمل.
أنواع الفحوصات المعتمدة
-
سكر الدم أثناء الصيام: يقيس نسبة الغلوكوز بعد صيام لا يقل عن 8 ساعات.
-
اختبار تحمل الغلوكوز: يقيّم قدرة الجسم على التعامل مع كمية محددة من السكر بعد تناولها.
تتبع مستوى السكر في الدم
لا يتوقف الأمر عند التشخيص فحسب، بل إن المراقبة المستمرة لمستوى السكر في الدم تُعدّ جزءًا لا يتجزأ من إدارة المرض.
-
يحدد فريق الرعاية الصحية عدد المرات التي يحتاج فيها المريض لقياس السكر يوميًا. فقد يُطلب فحصه مرة واحدة، أو قبل وبعد ممارسة التمارين الرياضية.
-
عند الاعتماد على الأنسولين، قد يحتاج المريض إلى عدة فحوصات في اليوم الواحد.
ولتسهيل هذه العملية، يمكن استخدام جهاز منزلي صغير يُسمى مقياس الغلوكوز، حيث توضع قطرة دم صغيرة لقياس نسبة السكر مباشرة. كما يُنصح بتسجيل جميع القياسات في دفتر أو تطبيق خاص لمشاركتها مع الفريق الطبي، مما يساعد على تعديل العلاج وفق الحاجة.
أنظمة المتابعة المستمرة (CGM)
تُعد هذه التقنية نقلة نوعية في إدارة السكري. يقوم جهاز الاستشعار المزروع تحت الجلد، غالبًا في الذراع، بتسجيل مستوى الغلوكوز كل بضع دقائق. وترتبط هذه البيانات مباشرة بهاتف ذكي أو جهاز محمول، حيث يتلقى المريض إشعارات فورية عند ارتفاع أو انخفاض السكر بشكل خطير. تخيل مثلاً أنك نائم وبدأ مستوى السكر بالانخفاض؛ يقوم النظام بإصدار تنبيه يحميك من الدخول في مضاعفات حادة.
بهذا الشكل، يصبح الفحص المبكر والمتابعة المستمرة بمثابة درع واقٍ يحمي المريض من المضاعفات، ويمنحه فرصة أفضل للتحكم في صحته والعيش بجودة حياة أعلى.
طرق علاج مرض السكري
يُعد علاج السكري عملية متعددة الجوانب، لا تقتصر على دواء واحد أو خطة محددة، بل تتطلب دمج عدة استراتيجيات تتناسب مع نوع المرض وحالة المريض. فما هي أهم الوسائل المتبعة للسيطرة على هذا الداء المزمن؟
أولاً: تغييرات نمط الحياة – الأساس لكل علاج
العلاج يبدأ قبل الدواء، وذلك عبر أسلوب حياة متوازن:
-
التغذية السليمة: يوصى بالتركيز على الأطعمة الغنية بالعناصر المفيدة مثل الخضروات والفواكه الطازجة، البروتينات قليلة الدسم، والحبوب الكاملة. وفي المقابل، يجب الحد من الحلويات والدهون المشبعة والكربوهيدرات المكررة. تخيّل مثلاً أن طبقاً يحتوي على سمك مشوي مع سلطة خضراء وحبوب الكينوا سيكون أفضل بكثير من وجبة سريعة غنية بالدهون.
-
النشاط البدني: ممارسة التمارين الرياضية بانتظام، مثل المشي أو السباحة أو ركوب الدراجات، بمعدل 150 دقيقة أسبوعياً على الأقل. فالرياضة لا تساعد فقط على حرق السعرات، بل تحسّن حساسية الجسم للأنسولين.
-
الحفاظ على وزن صحي: إن فقدان الوزن الزائد يقلل مقاومة الجسم للأنسولين، مما يسهل التحكم في مستويات السكر.
-
تجنب التدخين والسيطرة على ضغط الدم والكوليسترول: هذه الخطوات تقلل من خطر حدوث مضاعفات خطيرة مثل أمراض القلب والأوعية الدموية.
ثانياً: الأدوية الفموية لمرض السكري من النوع الثاني
عندما لا تكفي تغييرات نمط الحياة، يتم اللجوء إلى الأدوية. لكل دواء آلية عمل خاصة وفوائد وأعراض جانبية محتملة:
-
الميتفورمين: غالباً ما يكون الخيار الأول، إذ يقلل إنتاج الكبد للغلوكوز ويُحسّن استخدام الأنسولين. قد يسبب بعض الاضطرابات الهضمية ونقص فيتامين B12.
-
السلفونيل يوريا (مثل Glipizide وGlimepiride): تعمل على تحفيز البنكرياس لإفراز المزيد من الأنسولين، لكنها قد تؤدي إلى زيادة الوزن أو هبوط مفاجئ في مستوى السكر.
-
الجلينيدات: ذات مفعول سريع وقصير، تُستخدم قبل الوجبات لتحفيز إفراز الأنسولين.
-
الثيازوليدينيديون: تُحسّن حساسية الأنسجة للأنسولين، لكن استخدامها قد يرتبط بزيادة الوزن أو احتباس السوائل.
-
مثبطات DPP-4: تخفض مستوى السكر بشكل معتدل، وقد تُسبب التهاب البنكرياس.
-
مضادات مستقبل GLP-1: تُعطى بالحقن، وتساعد على إنقاص الوزن وتخفيف خطر الإصابة بالنوبات القلبية، لكنها قد تسبب الغثيان أو القيء.
-
مثبطات SGLT2: تمنع إعادة امتصاص الغلوكوز في الكلى ليُطرح مع البول، وهو ما يقلل خطر النوبات القلبية، مع احتمال حدوث التهابات بولية.
-
مثبطات ألفا-غلوكوزيداز: تُبطئ امتصاص السكر من الأمعاء، لكن قد تسبب الانتفاخ أو الإسهال.
ثالثاً: العلاج بالحقن والأنسولين
لا غنى عن الأنسولين في علاج السكري من النوع الأول، وقد يحتاجه بعض مرضى النوع الثاني أو السكري الحملي:
-
أنواع الأنسولين: سريع، قصير، متوسط، وطويل المفعول. يُعطى إما بالحقن أو من خلال مضخات الأنسولين التقليدية أو اللاسلكية.
-
أنظمة الحلقة المغلقة: دمج بين أجهزة مراقبة السكر والمضخات الذكية لتوفير جرعات أوتوماتيكية أقرب ما يكون إلى وظيفة البنكرياس الطبيعي.
-
أدوية مساعدة: مثل البراملينيتيد الذي يُعطى مع الأنسولين لتحسين السيطرة على مستوى السكر.
رابعاً: خيارات خاصة حسب الحالة
-
جراحة إنقاص الوزن: فعالة لمرضى النوع الثاني الذين يعانون من السمنة المفرطة (BMI ≥ 35)، حيث تساعد على خفض الوزن وتحسين السيطرة على المرض، لكنها قد ترتبط بمضاعفات مثل نقص بعض العناصر الغذائية.
-
زراعة البنكرياس أو الخلايا الجزيرية: خيار مطروح لمرضى النوع الأول غير المسيطر عليه، لكنه يتطلب أدوية مثبطة للمناعة قد تسبب آثاراً جانبية خطيرة.
خامساً: العلاج حسب نوع السكري
-
النوع الأول: العلاج يعتمد بشكل رئيسي على الأنسولين ومراقبة مستوى الغلوكوز يومياً.
-
النوع الثاني: يبدأ بتغييرات نمط الحياة، ثم الأدوية الفموية، وقد يصل إلى الأنسولين عند الحاجة.
-
السكري الحملي: يعتمد على النظام الغذائي والرياضة، وغالباً ما يتطلب الأنسولين لتفادي المضاعفات.
-
مرحلة ما قبل السكري: الوقاية هنا أساسية، من خلال ممارسة الرياضة وخسارة 7% من الوزن، مع إمكانية وصف الميتفورمين في بعض الحالات.
سادساً: مراقبة مستوى السكر
المتابعة الدقيقة شرط أساسي في جميع المراحل:
-
فحص السكر عدة مرات يومياً، خصوصاً لمن يستخدمون الأنسولين.
-
الاستعانة بأجهزة المراقبة المستمرة لتقليل الحاجة إلى الوخز المتكرر.
-
إجراء اختبار HbA1c كل 2–3 أشهر لمعرفة متوسط السيطرة على المرض، مع السعي للوصول إلى نسبة أقل من 7% (مع اختلاف حسب الحالة).